لمحة مختصرة
المغامر العربي
كان وليم وليمسون- الرجل البريطاني – والمعروف أيضا بالحاج عبد الله المسلماني ، ملاكما محترفا ومنقبا عن الذهب في البراري البدائية الأمريكية وتاجرا متنقلا في البحار الجنوبية ومعتنقا الدين الإسلامي ورائد في حقل صناعة النفط وخبيرا ولامعا في عادات قبائل البدو الرحل ، وكان أول أجنبي تطأ قدماه شبه الجزيرة العربية مستوطنا.
ولد من أبوين بريطانيين وتم تعميده باسم وليم ريتشارد وليمسون في مدينة بريستول، غرب بريطانيا عام 1872 وكان منذ طفولته ولد ثري أهم هواياته تسلق الأشجار وقراءة الكتب وهرب في مناسبتين قبل بلوغه سن الثانية عشر من بيت والديه . فقرر والده لدى بلوغه سن الثالثة عشر عملا بنصيحة أخيه لإرساله إلى الحياة البحرية ليختبر صعوبة الحياة ولو لمدة قصيرة ليعود ويستقر بعدها على اليابسة .
وعليه وجد وليم نفسه مقلعا من ميناء بريستول على ظهر المركب أفوندريا ذات الأربعة سواري عام 1885 وبينما كان يتأمل الأفق خلال ابتعاد المركب عن الشاطئ لم يخطر بباله انه لن يرى عائلته أبدا أو يعود إلى انجلترا أو يعيش ثلثي عمره بين العرب بل كل ما كان يفكر فيه هو الشعور المثير بأنه على ظهر مركب متجه إلى استراليا وأمريكا.
وجد نفسه اصغر أفراد الطاقم سنا وان رحلته ستكون محنة وتجربة صعبة جدا ليس بسبب الحياة البحرية التقليدية الصعبة ولكن بسبب تعليمات والده للنوخذة( ربان السفينة ) بأن يكون صارما في معاملته وعليه عندما تخاذل في العمل لأول مرة ربطه النوخذة على أعلى ساري خلا إعصار بحرية شديدة ومن خلال تلاحق العقوبات تركز تفكيره على نسج خطة للفرار. وهكذا سنحت له الفرصة عندما حط المركب في ميناء سان دياغو على ساحل كاليفورنيا للتزود بالمؤن وفر شاعرا” بلذة الحرية بالرغم من المستقبل المجهول في غرب أميركا حيث كانت لا تزال غير متطورة .
واتجه وليمسون مشيا على الأقدام نحو شمال سان دياغو مستعينا على مصاريفه من أجور عمله في تقليم خشب الأشجار ولدى وصوله سان فرانسيسكو التحق ببعض أقاربه في مزرعة كبيرة واستقر معهم وتدجين الخيول الشرسة . قبل أن تصبح كاليفورنيا مقر وليمسون هدف الألوف من الساعين وراء الأصفر الرنان . وأصبحت هذه الحملة المحمومة للتنقيب عن الذهب التي إنتشر سيطها في جميع أرجاء المعمورة من أساطير الأولين . أكتشف وليمسون أن العمل في هذا المجال يوفر له أمكانيات مثيرة أفضل من حياة راعي بقر ( كاوبوي ) وهكذا اتجه برفقة زميلين نحو العمل في التنقيب عن الذهب وبالرغم من أن فرص النجاح كانت عسيرة جدا إلا أنهم تمكنوا من الحصول على امتياز لمنجم ذهب باعوه أخيرا بربح لا بأس به . وهكذا غادر وليمسون وفي جيبه مائتي دولار وزميليه واتجهوا نحو اكتشاف براري غرب أمريكا متجولون لعدة شهور على صهوة جيادهم .
وأخبرا وصل وليمسون نيويورك حيث كان الحديث في أواسط جميع المجتمعات مركزا على مشروع فتح قناة بنما. وعلم بوفرة العمل في هذه المنطقة برواتب وأجور مغرية فاتجه إلى منطقة بنما وعمل مشرفا على العمال واستمر في العمل حتى تفشى مرض الملاريا مما اجبره وبعض أصدقائه على مغادرة المنطقة متجها إلى كاليفورنبا حيث عملوا في حقل جمع الفواكه . وقرروا لدى انتهاء الموسم تأليف فرقة مسرحية متنقلة بين المستعمرات لعرض ألعاب السحر والشجاعة وكان دور وليمسون الملاكمة ونجح نجاحا باهرا في هذه الرياضة حتى إن المشاهدين لقبوه ” بقنبلة بريستول ” .
كان عمر وليمسون حوالي 19 عاما عندما هوجم في حي شاينا تادن بسان فرانسيسكو ولدى استعادة وعيه وجد نفسه على ظهر مركب صيد الحيتان في أعالي البحار متجها نحو أوفيانوس القطب الشمالي وفي محاولة للتكيف مع الوضع الجديد أظهر تفانيا في العمل مما حدا بالربان أن يأمر بترقيته ولدى عودته الى سان فرانسيسكو أكتسب شهرة واسعة مما تهيا له الانتقال للعمل في جزر كارولينا حيث أنشاء متجر مبيعات وكان سكان جميع الجزر اسبان وعندما ثار الاسبانيون وأوقعوا اللوم على وليمسون فاعتقل ونقل الى السجن في مانيلا ولكن حسن الحظ وشجاعة القنصل الأمريكي أنقذاه من هذه الورطة علما بان القنصل البريطاني رفض التدخل وبعد هروبه بمساعدة القنصل الأمريكي الذي أسلم فيما بعد ، أبحر وليمسون الى هونغ كونغ ومنها الى بومباي ومن ثم الى جنوب الجزيرة العربية وهناك بواسطة مسعى والده عين شرطيا في عدن .
وجد نفسه بعد التجوال غير الهادف طيلة السنوات الماضية ولأول مرة أن بإمكانه أخيرا الاستقرار ومنذ ان وطأت قدميه اليابسة في عدن انتابه شعور الألفة والتقارب مع العرب وخاصة من ناحية الدين وكان وهو على ظهر المركب في طريقه من بومباي الى بلاد العرب قد قرأ صدفة ولعدة مرات كتابا عن الدين الإسلامي ألفه شخص يدعى كوبليم كان قد أعتنق الدين الإسلامي الحنيف فتمكن بعد ذلك رؤية الحياة اليومية في المجتمع الاسلامي بوضوح ويفهم ويسمع المؤذن ينادي المؤمنين الى الصلاة ويراقب ايداءها مما أعطته الرغبة الكبرى والأكيدة لاعتناق الدين الإسلامي .
وكان معلمه ومرشده الأول ومترجمه صديقه الصومالي ” حسن علي ” الذي أعد له مراسيم أعتناق الدين الإسلامي . ففي صباح احد الايام من عام 1892 امتطى الرجلان دوابهما واتجها نحو ولاية لحج القريبة من عدن وحلا ضيوفا على السلطان ” الفضل بن علي ” وفي اليوم التالي وبحضور أولاد السلطان والقاضي الشرعي أعتنق وليمسون الدين الإسلامي ناطقا الشهادتين وله من العمر 20 عاما”. وأصبح معروفا بعبد الله فاضل وليمسون ولم يندم ابدا على فعله هذا واستمر طيلة حياته ممارسا الدين الإسلامي دون مغادرة الأراضي الإسلامية .أما الجالية البريطانية في عدن فقد أصابها الهلع من تصرفاته وتساءلوا عن خطوته التالية والمشاكل التي قد يثيرها ولذلك قرروا الا يترك الشرطة فحسب وعليه أن يترك عدن ايضا.وعليه عندما حاول وليمسون تقديم استقالته قيل له يجب ان تستوفي هذه الإجراءات في بومباي . أذعن للأمر الواقع وغادر الى بومباي حيث قدم استقالته وباشر في إعداد رحلة العودة ولكن تدخل البريطانيون مرة اخرى ضيقوا عليه الخناق واخفق في الحصول على مكان في المراكب المتجهة نحو بلاد العرب تحت شتى الأعذار فلم يجد بدا سوى السفر بصورة سرية وباسم مستعار .
وبحكم صداقته مع كثير من التجار العرب في بومباي أكثرهم تجار خيول من البصرة والكويت تعرف على الشيخ ” يوسف الابراهيم ” من اقرب أصدقاء أمير الكويت الشيخ ” محمد الصباح ” وخليفته الشيخ ” مبارك الصباح ” ، تمكن وليمسون الذي بدا عربيا بكل معنى الكلمة بلباسه العربي ولحيته السوداء وبشرته البرونزية وبمساعدة الشيخ ” يوسف الإبراهيم ” السفر على ظهر المركب التجاري بانكورة المتجهة الى البصرة مع انه كان من الصعب تفادي المراقبة البريطانية حتى أنه سرعان ما وصلت وشاية الى السلطات البريطانية تفيد بان العربي المسافر على ظهر مركب بانكورة ليس إلا وليمسون وفورا توجهت فرقة من الرسميين لكشف هويته واخبروه بأوامر رسمية مفادها عدم ترك المركب إلا لدى عودتها الى بومباي .
تذكر وليمسون قول الشيخ ” يوسف الابراهيم” : (( ياعبد الله إنك بين يدي الله القدير الرحيم ، فلماذا تذهب الى البصرة ؟ ولماذا لا تأتي معي الى الكويت ؟ إنك من ديننا ولن تخالف التقاليد خلال ضيافتي )) .
لبى وليمسون الدعوة ولدى وصول البانكورة في طريق عودتها الى بومباي بمحاذاة شاطئ الفنطاس فر وليمسون من المركب متخفيا بلباس سائس خيل وتمكن من اخذ خط راحة في الكويت إذ أصبح غير ملاحق لأن الاتفاق بين البريطانيين وإمارة الكويت لم يتم بعد ولذلك لن يستطيعوا طلب تسليم بريطاني خاصة وأنه ضيف الشيخ يوسف تحت حماية حاكم الكويت .
صحيح ان الكثيرين من البريطانيين مروا وتعرفوا على الكويت ولكن وليمسون استقر بصفة مواطن واعترافا بهذا الجميل أحب وليمسون هذا البلد حبا جما وكانت البهجة تغمره عندما يتجول مكتشفا أسواق الكويت مشاركا جلسات المقاهي وديوانيات تجار اللؤلؤ هذا بالإضافة الى مواظبته المستمرة على دراسة وقراءة اللغة العربية والقرآن الكريم يوميا كما اكتشف المدن المجاورة متنقلا شمالا الى الزبير مما ادى الى زيادة اهتمامه بالعرب والصحراء .
كما استمتع بالحرية والمغامرات والحياة الصارمة في غرب أمريكا استمتع بنفس التجارب في شبه الجزيرة العربية بالإضافة الى ميزة اكتساب الخبرة في أمور كانت غريبة عليه. ففي غرب امريكا وجد ان بعض المناطق المأهولة يعيش السكان في مجتمعات ليس لها تراث وتقاليد فازدادت أعمال قطع الطرق وتناول الكحول والمسكرات مما تعطي انطباعات فوضى واستهتار في أجهزة الحكم بينما وجد عكس الحال في بلاد العرب . صحيح أنه كانت تقع اعمال غزو بين القبائل لكن ذلك كان يخضع لقوانين وتقاليد وعرف بين القبائل التي تتركز على مفاهيم التوقيت و شهامة العروبة والشرق .
أصبح وليمسون بعد معاشرته لإتباع الشيخ يوسف الابراهيم ومشاركتهم في صعوبات الحياة اليومية اصبح من المعجبين في عادات وتقاليد قبائل البدو وعكف على دراسة هذه العادات والتقاليد ولهجاتهم .
كانت رغبة وليمسون الأكيدة منذ اعتناقه الدين الإسلامي ايداء فريضة الحج في مكة المكرمة ولدى بلوغه سن ال 24 من عمره اغتنم هذه الفرصة وتوجه بحماس إنسان معتنق الدين حديثا الى مكة وانضم الى حملة قوامها ثلاثة الاف حاج بلباس البدو ومزودا بالخيام اللازمة وسبعة جمال محملة بالاعتدة والمؤن الضرورية ومما هو جدير بالإشارة اليه كون هذه الحملة كانت آخر حملة تجمع مثل هذا العدد الهائل من الحجاج قبل استحداث مواصلات السكك الحديدية والسيارة . أعطت هذه الحملة وليمسون انطباع واقعي عن قوافل مشابهة قبل ألف سنة .
قاد الحملة عربيا ، ممتطيا جملا أبيض حاملا بيرق الإيمان مزخرفا باللون الأخضر وفي وسطه شعر مع نجمة وهلالين بيضاوين وقد طرز بشهادة (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) فوقه سارية طولها عشرة أقدام تنتهي بكرة فضية بحجم جوزة الهند ، أما في الليل فيطوى العلم ويعلق مكانه مصباح مضاء يتدلى منه خطاف متصل بالكرة الفضية ، وسار خلفه أمير الحج والشيوخ ورؤساء الحملات المشتركة وكبار القوم يتبعهم قافلة خيول وجمال الحجاج طولها حوالي ثلاثة أميال وقد قطع الحجاج مسافة 800 ميل سيرا على الأقدام ليحققوا أمنيتهم في أداء فريضة الحج في كعبة مكة المكرمة .
لم ينس وليمسون طيلة حياته هذه الرحلة الرائعة وخاصة كرم و حسن ضيافة ” محمد عبد الله الرشيد ” من جبل شمر ( بلدة حائل ) والذي كان في ذلك الوقت في ذروة حكمه للجزيرة العربية إذ أكرم قافلة الحجاج لدى وصولها بوليمة غداء تضم الثلاثة آلاف حاج .
اشترك وليمسون لدى وصول القافلة الى مكة في جميع مراسيم فريضة الحج من غسل الكعبة الشريفة الى الطواف والسعي والوقوف في جبل عرفات والأضحية .ومن الجدير ان وليمسون كان قد أدى مراسيم فريضة الحج علنيا وجهارة وإخلاص وكانت بالنسبة له خبرة لا تضاهى مما جعلته يعيد الكرة عامي 1898 و 1936 ومنذ اداء فريضة الحج أكتسب لقب الحاج عبد الله .
استمر الحاج وليمسون العيش في الصحراء بين القبائل منذ مطلع القرن الحالي وكان ملم باللغة العربية بطلاقة ويملك جوادا عربيا أصيلا وجميلا وثلاثة جمال وصقرا وعبدا نوبيا ز كما انه اصبح خبيرا في الجياد العربية وعمل بالتجارة كمصدر رزق يشتري الجياد من سوريا والعراق وبلاد الفرس ويبيع معظمها للجيوش البريطانية في الهند . وصل في إحدى رحلاته الى بلوشستان عبر بلاد الفرس ومنها الى ممر خيبر ومن ثم الى افغانستان كما انتقل خلال رحلة اخرى الى عمان وضفار ثم حضرموت فصنعاء ونجران والحجاز الى ان استقر المكان به في القدس الشريف مما وضعه في أعلى لائحة المكتشفين للجزيرة العربية. ولاشك ان وليمسون واجه مغامرات صعبة وخطيرة خلال تجواله الذي امتد أقصى اراضي بلاد العرب ففي إحدى الرحلات التجارية وجدت القافلة نفسها وجها لوجه مع شرذمة من البدو الطريدة فقام بتنظيم جبهة دفاع ونجح في رد المعتدين على اعقابهم .
هذا وبعد مضي عدة سنوات عرض الشيخ المتفق في العراق على وليمسون السلطة الكاملة لمكافحة مرض الكوليرا الذي تفشى بين افراد قبيلته فعزم على مقاومة الرغبة لمغادرة القبيلة وقبول تحدي هذه المهمة .
وبالتالي شرع في ممارسة سلطته في مكافحة المرض وامر أفراد القبيلة بالمحافظة على حياة نظامية تختلف عن حياة البدو التقليدية وذلك لفرض حصر هذا الوباء وإزالته وبالرغم من نجاحه إلا ان الثمن كان بالتقاطه الوباء لكن سرعان ما شفي منه .
هذا وان مدى قبول العرب للحاج وليمسون كواحد منهم ظهر بوضوح من عرض الشيخ حسين شيخ قبيلة ظفير للزواج إحدى كريماته لإعجابه بشجاعة الحاج وليمسون وجرأته في القتال في صفوف رجاله خلال الغزوات واستيلائه على بعرين . اعتذر عن قبول العرض خلال جلسة عربية حول النار قائلا : (( يا شيخ العرب شكرا على هذه الثقة والمحبة ولكن ألا ترى أن رحلة صيد أفضل من جميع النساء )) . مع ان وليمسون تزوج فيما بعد عدة نساء عربيات آخرهن الثالثة وتدعى ” سارة ” من قبيلة السعدون وقد رزقه الله منها ثلاثة أبناء عبدالمطلب و أحمد و محمد .
وقد تلاشت المعارضة ضد ولاية الشيخ مبارك الصباح على إمارة الكويت بعد وفاة صديق وليمسون الشيخ يوسف الابراهيم عام 1908 مما أفسح المجال أمامه للعودة الى الكويت واشترى قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بيتا بالقرب من بوابة الجهراء وخلال هذا الاستقرار المؤقت عاوده حنين ايام الشباب ورغبة العودة الى البحار والعمل في الغوص على اللؤلؤ فقد باع قاربه ( البغلة) واستأجر ظوا” حمولته 30 طنا واسماه ((فتاح الخير )) يمخر به عباب الخليج العربي .وبتشجيع من قبل تاجر اللؤلؤ الشهير هلال المطيري تحول وليمسون الى صناعة صيد الؤلؤ وتتناقل الشائعات أنه عمل على تهريب الأسلحة .
أجبرت اندلاع الحرب العالمية الاولى الحاج وليمسون على العودة الى العراق فبدلا أن تعتقله السلطات البريطانية رحبت به وأكرمته لاحتياجها الى معلوماته وخبراته الواسعة بالمنطقة.
وكان وليمسون ملتزما الصمت حول أيام الحرب لكن السيدة فيوليت ديكسون صديقة العرب وزوجة المستعرب الكولونيل ديكسون أشارت الى حكاية نادرة عن مغامرات الحاج وليمسون خلال الحرب قائلة : ((أخبرني الحاج وليمسون أنه عاد الى بغداد خلال الحرب العالمية الأولى ففي إحدى الأمسيات تمكنت متنكرا بزي الخدم دخول حفلة القائد التركي واستطعت من خلال الحديث الذي دار في الحفلة من جمع معلومات مهمة والخروج دون أن ينتبه لي أحد )) .
عين بعد الحرب مفتشا وكالات الخليج لشركة النفط الايرانية البريطانية ومن خلال هذا المركز الجديد تمكن من الاشتراك في أول مرفق للنفط في الخليج وساعدته شهرته ومعرفته لحكام الجزيرة وشعوبها واتسع تجواله في المنطقة كدليل ومستشار للجيولوجيين العاملين في عمليات التنقيب عن النفط .
وكان عمل الحاج وليمسون خلال خدمته مع شركة الزيت الايرانية الانكليزية بين 1924 و 1937 لقيادة تلك البعثات وإنشاء الوكالات على جانبي الخليج العربي وتفقدها والاشراف على بناء مستودعات الزيت الصغيرة. وكانت درايته بالسواحل تساعده في انتخاب الأمكنة ومسحها وإعدادها لتصبح مهابط طائرات تستخدم في الأحوال الطارئة قبيل إنشاء الطريق الجوي المنتظم الى الهند . كما عمل دليلا ومترجما للقمندور ب.و.جالبن ، من شركة الخطوط الجوية الامبراطورية (من كبار موظفي شركة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار BOAC ) والذي كان يرغب في مسح خلجان صغيرة على ساحل عمان لتكون قواعد في الحالات الطارئة للطائرات المائية العاملة على طريق الهند .
وتحطم مركبه في أحدى جولاته على إحدى جزر الخليج غير المأهولة لكن بحنكته وحسن التدبير وخبرته في إيجاد الطعام عن طريق صيد السمك بصورة بدائية تمكن من البقاء على قيد الحياة .
هذا وعمل الحاج وليمسون بين عام 1922 – 1937 كمساعد ومترجم لأرشي تشسهولم في شركة النفط الإيرانية – الإنكليزية بالكويت خلال مرحلة المفاوضات للحصول على امتياز التنقيب عن النفط. ولنجاحه في مرحلة التفاوض هذه الصعبة اكتسب وليمسون شهرة عالمية وشخصية رئيسية لعبت دورا هاما في تطوير المنطقة ودخولها عصر الذهب الأسود .
تقاعد أخيرا واستقر به المطاف في بستانه الكبير الذي اشتراه في كوت الحجاج بالقرب من البصرة. وأصبحت هوايته في هذا السن المتقدم ولحيته البيضاء السير على الأقدام في أزقة القرية المغبرة لكنه كان وقورا يكن له الجميع كل احترام ومحبة لإنجازاته ومغامراته خاصة أنه مسلم تقي ومخلص وبالرغم من هذه الشهرة كان يفضل الحياة الهادئة مع أولاده وأحفاده وانحصر نشاطه في السنوات الأخيرة من عمره في الزراعة والعناية بشجيرات البرتقال والبلح واستقبال العديد من زواره العرب .
هذه لمحة عن حياة ذلك الولد الإنكليزي الذي تحدى السلطات على ظهر المركب البريستولي ذي الصواري الثلاث والذي رعى البقر صغيرا في مزارع كاليفورنيا ، المغامر الذي راح يبحث عن الذهب في أراضي نيفادا، المتجول في الأصقاع الأمريكية يغني ويمثل ، العامل في شق قناة بنما ، البحار الذي خدروه فخطفوه ليعمل قهرا في سفينة لصيد الحيتان في منطقة القطب الشمالي ، التاجر في البحار الجنوبية ، أسير الأسبان في مانيلا . الشرطي المتدين في سلك البوليس العدني ، المحارب البدوي ، وتاجر الجمال والخيول ، وربان الظو ، ومهرب الأسلحة ، وصياد اللؤلؤ ، والعامل في استخبارات الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى ، والوكيل المحلي ، والموظف لدى شركة زيت عالمية .
كثيرون من العرب الذين عرفوا الحاج المسن تمام المعرفة إبان تقاعده يجهلون الكثير من تألق أيام مغامراته الأولى وإشراقها. وفي الوقت الذي نرى فيه مآثر الحاج عبد الله فاضل الزبير يرددها أفراد القبائل في الصحراء حول نيران المواقد ، نجد ان ما يعرفه الحضر أو البدو عن ويليام رتشارد وليمسون قليل نسبيا ، هذا الرجل الذي أدار ظهره لما يدعوه الناس بالحضارة ليصبح حرا طليقا يجوب البحار ويسكن القفار .
أما نجاته من الأخطار التي لو توزعها مئة رجل لزادت عن قدرتهم ، فتبدو في نظر بعض الناس امرا تكتنفه الأسرار وتحيط به العجائب ، بينما الأمر بالنسبة للحاج وليمسون لا يتعدى كونه إرادة الله الذي لا راد لإرادته . ولكن مهما يكن من أمر فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر الحاج وليمسون بسالته وأقدامه وشجاعته التي كانت ولا تزال مضرب الأمثال .
توفي الحاج عبد الله وليمسون ذو الشهرة في جميع أنحاء الجزيرة العربية عام 1958 ودفن في مقبرة الإمام الحسن البصري في الزبير .